إذا فضل الأب بعض الأولاد في الهبة، ثم مات قبل التسوية وإزالة المفاضلة بين أولاده :
حكم الهبة هنا :
– أن الهبة لا تلزم، ولسائر الورثة أخذها وجمعها مع الميراث .
وهذا رواية عن الإمام أحمد، قال عنها ابن القيم: (إنها رواية ابنه عبد الله وابن عمه حنبل، وأبي طالب، وأصحابنا إنما نسبوا ذلك إلى أنه قول أبي حفص، ولا أنه اختياره .. ونقله نصاً عن أحمد من رواية من سمينا ، وهو الأقيس ) ، وهو قول ابن خزم ، واختاره ابن عقيل ، وشي الإسلام ابن تيمة حيث قال ـ رحمه الله : يجب عليه – أي الوالد – أن يرد ذلك في حياته كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم وإن مات ولم يرده رد بعد موته على أصح القولين أيضا، طاعة لله ولرسوله، واتباعا للعدل الذي أمر به واقتداء بأبي بكر وعمر ـ رضي الله عنهما ـ ولا يحل للذي فُضِّلَ أن يأخذ الفضل، بل عليه أن يقاسم إخوته في جميع المال بالعدل الذي أمر الله به. اهـ .
وقد استدلوا بقصة النعمان:
عن النُّعمانِ بنِ بَشيرٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال :
((تصَدَّق عليَّ أبي ببَعضِ مالِه، فقالت أمِّي عَمْرةُ بنتُ رَواحةَ: لا أرضى حتى تُشهِدَ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. فانطلَقَ أبي إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ لِيُشهِدَ على صَدَقتي، فقال له رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أفعَلْتَ هذا بوَلَدِك كُلِّهم؟ قال: لا. فقال: فلا تُشهِدْني إذَن؛ وفي لفظ: فإني لا أشهد جور، فرجَعَ أبي، فرَدَّ تلك الصَّدَقة وفي رواية لمسلم : اتقوا الله واعدلوا في أولادكم فرد أبي تلك الصدقة”. وفي رواية عند أحمد : إن لبنيك عليك من الحق أن تعدل بينهم )) .
فإن النبي هنا و سمى التفضيل جورة بقوله لا تشهدني على جور، والجور الحرام الذي لا يحل للفاعل فعله، ولا للمعطي تناوله، والموت لا يغيره عن كونه جورة حراما، فيجب رده وهذا القول هو الأظهر، لقوة دليله، فإن حديث النعمان به نص صحيح صريح في الموضوع.
وقال صاحب الشرح الكبير من الحنابلة في معرض الاحتجاج لذلك : ولأن النبي صلى الله عليه وسلم
سمى ذلك جورا بقوله لبشير: لا تشهدني على جور ـ والجور لا يحل للفاعل فعله، ولا للمُعْطَي تناوله،
والموت لا يغيره عن كونه جورا حراما فيجب رده. اهـ
وما ورد في المغني لابن قدامة – كتاب الهبة والعطايا “ تفضيل بعض الأبناء على بعض في العطاء باطل
وجور ويجب على فاعله إبطاله وأن لسائر الورثة أن يرتجعوا ما وهبه ( اختاره ابن بطة وأبو حفص
العكبريان وهو قول عروة بن الزبير وإسحاق ورواية لأحمد ) .